Quantcast
Channel: بصائر »الداعية
Viewing all articles
Browse latest Browse all 60

الداعية الحركي خير من الداعية القاعد.. وفي كلٍّ خير!

$
0
0

من بين أهم صفات المؤمن أن يكون قويًّا، يقول الرسول الكريم “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”: “المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير” [أخرجه مسلم]، ومن بين صفات المؤمن القوي،
الإيجابية، فيقول “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” [أخرجه مسلم].

والأمر بالمعروف وإنكار المنكر في هذا الحديث النبوي الشريف، أمر له دلالته؛ حيث إن جانبًا مهمًّا من الخيرية التي جعلها الله تعالى في الأمة، تأتي من أمرها بالمعروف وإنكارها للمنكر، فيقول الله تعالى: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” [سُورة “آل عمران”- مِن الآية 110].

ومن ثَمَّ؛ فإن الهدي النبوي، وكذلك القرآن الكريم، يؤكدان على أهمية الجانب الإيجابي في حياة الإنسان المسلم، وأنه لابد أن يكون المسلم المؤمن نموذجًا طيبًا للآخرين، وهو لن يكون نموذجًا في هذا الإطار، إلا من خلال حركته وسلوكه؛ ليكون خير عنوان للدين.

والدعاة والعلماء أولى من الجميع في هذا الإطار، فهم الذين يحملون رسالة التغيير والإصلاح التي جاء بها الأنبياء والمرسلون، والعلماء هم ورثة الأنبياء كما قال “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”: “إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمَن أخذه أخذ بحظ وافر” [أخرجه الترمذي وقال حسن وصححه الألباني].

والحديث النبوي الشريف هنا واضح في المصطلحات التي استخدمها في وصف مهمة العلماء والدعاة إلى الله، فهي كلها تدعوا إلى الحركية والإيجابية؛ فمهمة العلماء هي التبليغ، وهذا الواجب لن يتم تحقيقه من دون السعي، كما أن هناك جملة أخرى في الحديث ذات دلالة مهمة في ذلك أيضًا، وهي “فمَن أخذه أخذ بحظ وافر”، والأخذ، كما جاء في القرآن الكريم أيضًا، هو فعل إيجابي حركي.. يقول الله عز وجل لبني إسرائيل: “خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ” [سُورة “الأعراف”- من الآية 171].

وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تذكر نفس المعنى وتؤكد عليه، ومن بينها قوله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ” [سُورة “المائدة”- من الآية 67].

ومن ثَمَّ؛ فإن الداعية من غير عمل؛ لا يكون مًتمًّا لواجباتها ومهامه التي يستحق عنها أن يكون داعيةً عالمًا.

القعود والفتور مرض الكثير من دعاة اليوم:

ومن بين أخطر أدواء الدعوة الإسلامية في الوقت الراهن، هو قعود الدعاة عن أداء الأدوار المنوطة بهم بالإيجابية المطلوبة، والركون إلى البشارات القرآنية والنبوية في شأن ظهور هذا الدين، وسيادته للأرض، بأمر الله تعالى.

فبعض الدعاة في يومنا هذا يركن إلى ما جاء في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة، حول بشارات انتصار الإيمان والمؤمنين، وظهور دين الله تعالى على الأرض، مثل قوله تعالى: “يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)” [سُورة “الصَّف”].

وهنا أيضًا قول الرسول الكريم “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك” [أخرجه مُسلم]، وقال الإمام البخاري إن هؤلاء هم أهل العلم، وقال الإمام أحمد بن حنبل إنهم أهل الحديث، وقوله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” أيضًا: “ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزًّا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر” [أخرجه أحمد وآخرون، وصححه الألباني].

والبشارات في هذا، في القرآن الكريم، وفي صحيح السُّنَّة النبوية الشريفة كثيرة، ولكنها لا تبعث أبدًا على الكسل والركون إليها؛ حيث إنه من بين سُنن الله تعالى في خلقه، الأخذ بالأسباب والسعي والحركة.

وفتور الدعاة عن الحركة، قد يكون مردَّه أيضًا -وهو الأمر الأخطر- قناعة سلبية مفادها أن التغيير غير واقع، وأنهم لا يستطيعون مواجهة مد الفتن والانحرافات الراهن بين ظهرانيي المجتمعات الإسلامية، ومن ثَمَّ يقعدون عن الحركة بالمرَّة، ويصيبهم ضعف الهمم والعزائم؛ فلا يكونون فاعلين في المجالات التي من المفترض أنهم يتحركون فيها، فيصيب الكسل الأمة كلها، باعتبار أن الأئمة والدعاة هم محركها الأول، وطليعتها التي تقودها إلى الخير في الدارَيْن.

وفي هذا يقول الإمام الشوكاني-رحمه الله- في “أدب الطلب ومنتهى الإرب”: “وينبغي لمن كان صادق الرغبة قوي الفهم ثاقب النظر عزيز النفس شهم الطبع، ألا يرضى لنفسه بالدون، ولا يقنع بما دون الغاية، ولا يقعد عن الجد والاجتهاد المبلغين له إلى أعلى ما يراد وأرفع ما يستفاد، فإن النفوس الأبية، والهمم العلية، لا ترضى بما دون الغاية”.

وهذا عاقبته وخيمة على الداعية، ومن ثَمَّ على الإنسان نفسه وعلى المجتمع، والأمة بأسرها، فدين الله عز وجل، سوف ينتصر ويسود، وهو تبارك وتعالى، لن يزيد إيمان البشر في ملكه شيئًا، ولن ينقص قعودهم في ملكه شيئًا أيضًا، وإنما المستفيد من السعي هو الإنسان ذاته،ولقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى بشكل لا لبس فيه.

فيقول تبارك وتعالى: “وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)” [سُورة “الأنعام]، ويقول أيضًا في سُورة “مُحَمَّد” “… وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)”، لذلك من الدعاء المأثور “اللهم استعملنا ولا تستبدلنا”.

معالم على طريق الداعية الحركي:

أهم معلم له، هو المنهج التربوي السليم، والذي يتضمن التركيز على نقاط بعينها يتم غرسها في نفس الداعية، منذ يومه الأول، وتدعيمها من خلال الممارسة المستمرة، والمراقبة والتقييم.

ويتحرك المنهج التربوي في أكثر من اتجاه في هذا الإطار، أولها غرس فكرة المبادرة الذاتية لدى الداعية؛ فالداعية الإيجابي هو صاحب مبادرة، وهو الذي يتطلع -أيضًا- إلى معالي الأمور، ويكون صاحب مشروع، وبالتالي له رؤية واضحة، يسعى إلى تحقيقها، ويتحرك من خلالها.

الجانب الإيماني أيضًا له أهميته في هذا السياق، ومن أركانه أن الداعية الإيجابي يجب أن تكون لديه قناعة أن الآخرة مرتبطة بالدنيا، وبالسعي فيها، وأن الدارَيْن لا ينفصلان.

كذلك يجب أن يكون البرنامج التربوي متضمنًا لغرس فضيلة الصبر، فالتغيير والإصلاح، في أي مجتمع، يصطدمان دائمًا بقوى تدافع، قد تكون سياسية أو اجتماعية؛ حيث إن الإسلام لم يجيء لكي يحافظ لذوي النفوذ من الفاسدين على نفوذههم، وإنما جاء لهدم الظلم والفساد.

وفي القرآن الكريم وصحيح السُّنَّة النبوية الشريفة ما يدعو إلى ذلك، ويحمل البشارات العملية هنا، ومن بين ذلك قوله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)” [سُورة “البقرة”].

ويقول الرسول الكريم “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفرَّ الله بها من خطاياه” [أخرجه البخاري].

وغير ذلك الكثير من الجوائز الربانية لعباده الصابرين، والتي من بينها غفران الذنوب، وأن تتنزل عليهم رحمات ربهم، في الدنيا والآخرة، والأعظم من ذلك، أن يستحقوا صلوات ربهم عليهم، كما أشارت الآيات.

ونختم بمقولة مهمة، كان عمر بن الخطاب “رَضِيَ اللهُ عَنْه” يقولها، ويدعو بها الله عز وجل، وهي: “اللهم إني أعوذ بك من جَلَد الفاجر وعجز الثقة”؛ فلنكن ممَّن يدعون إلى الله تعالى، ويعلون من شأن دينه، ومن الذين يتخذ منهم شهداء في سبيله.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 60

Latest Images

Trending Articles





Latest Images